"الصورة النمطية –Stereotype " هي الشبح الذي يلاحقنا نحن النساء تحديداً أينما توجهنا ومهما اجتهدنا.. وهو شبح ليس لطيفاً على الإطلاق، ويعمل جاهداً ليضع العصي في عجلات مركبة الانطلاق للأمام.. ويتفنن في قلب الأبيض إلى أسود، مراقباً من بعيد، محاولات لملمة الأوراق تصحيحاً للصورة التي تصر على نمطيتها.. طال الزمن أو قصر.
دعونا بدايةً نذكر أنفسنا بالمقصود من "التنميط"، إذ بحسب وصف المختصين، فإن "الصورة النمطية"، هي ببساطة شديدة، الحكم الصادر على فئة معينة أو جماعة ما، استناداً لأفكار مسبقة تعتمد على التعميم والتجريد ولا تراعي الفروقات الشخصية للأفراد أو الجماعات، التي قد تؤدي، إن تطرف "التنميط"، إلى حرمان الآخرين من حقوقهم الإنسانية وصلاحياتهم الحياتية، وعادة ما تكون الأحكام الصادرة عن الصور النمطية موجهة لإقصاء عرق أو ديانة أو معتقد.. أو جنس، وهذا الأخير، هو الشبح الذي أقصده!
وبطبيعة الحال، يحدد كل مجتمع فهرسته للصور النمطية التي ترسمها وتحرك إيقاعها منظومة متكاملة لها أدواتها ووسائلها كالمنبر الديني والخطاب الإعلامي، والمناهج التعليمية، والمؤسسة الأسرية.. بل حتى الأعمال الفنية والدرامية. وإذا أخذنا في الاعتبار بأن عملية "التنميط" هي عملية ذهنية معقدة تنجح في الغالب - إن لم تتحد في وجهها عمليات مضادة على مستويات الخطاب والوعي المجتمعي لتصحيحها وتوجيهها - في ترسيخ ما تريد، لتنتج، واقعاً وهمياً يحبسنا في كهوف ودهاليز تخيلية، لا نعرف طريق الخروج منها.
ويبدو لي بأن إشكال فهم الصورة النمطية سيبقى إشكالاً مستمراً على الرغم من التحول الإيجابي لواقع المرأة العربية وطبيعة الدور الذي تتولاه والذي يجب أن يكون عن "ألف رجل" بحسب مقاييس الصورة! وعلينا مواجهته بذكاء وحرفية وطول نفس، لأن "التنميط" إن ترك، حبلاً على الغارب، هو سلاح ذو حدين، ويجب أن نمتلك القدرة على تفكيك أسبابه وتقوية الحجج المنطقية، للبس عدسة جديدة تقرأ بموضوعية وإنصاف حركة التغيير والتطوير التي تشهدها المرأة على مستوى ممارسة حقوقها الإنسانية وفي بناء مستقبل أوطانها.
ولا أعتقد إن المرأة هي فقط، من يطاردها شبح التنميط الذي يصورها، في الغالب، بمنظر الإنسانة الضعيفة والمبذرة ومتقلبة المزاج والعاطفية وكناقصة للعقل والدين، بل نجد، ومن حيث لا نشعر، بأن هناك رد فعل مضاداً يصور الرجل بأنه المسيطر والعنيف والمتكبر والمتحيز، إلخ، وإن كان التنميط الأول يؤدي إلى تعطيل مساعي كثيرة تعمل بجد لتحييد محاولات القولبة وخلق حواجز وهمية تسمح لهذا ولا تسمح بذلك!
فخلاصة القول هنا، إن الحكمة تقتضي بأن تستوعب "الصورة النمطية" للمرأة ما تحققه علمياً ومعرفياً واقتصادياً وسياسياً، وأن تعدّها ضمن المكاسب المعنوية التي تبحث عنها المجتمعات - في العادة - للمزيد من الانتصارات والإنجازات ضمن رحلة البناء المنطلقة للأمام، بشرط، ألا ننتقص من أدوار المرأة الموكلة إليها، تقليدياً، وألاّ نتعامل معها، في المقابل، بأنها سبب لتراجعها وانعزالها، ما دام لا يوجد أي مانع أو قوة جبرية تعيق تقدمها ميدانياً لتزاول دورها في كافة مواقع العمل والإنتاج.